الأحد، 19 فبراير 2012

المستبد المستنير



مؤخرا سمعت أكثر من مرة من يتحدث عن أننا كشعب لا تنفعنا الديمقراطية ولا ينفعنا سوي المستبد المستنير الحاكم الذي يعرف مصلحتنا  أو بمعني آخر ديكتاتور.
 والمصطلح (المستبد المستنير )  كلمتان عندما يسمعهما العاقل للوهلة الأولى معا لا بد أن تحدث لديه صدمة معرفية  كيف  تتسق هاتان الكلمتان في عبارة واحدة ؛ فكلمة مستبد هي من معانيها الظلم وكلمة المستنير توحي بالعدل  ، الصدمة الأخري عندما تجد أن مرادفات هذه العبارة منتشرة بصور أخري مثل (الدكتاتور العادل ) (الدكتاتور الصالح ) ومنهم من يدعي ظلما علي بعض الأشخاص أنهم كانوا كذلك  فادعوا ذلك لسيدنا عمر ثم يؤيدون مواقفهم مستشهدين بعبدالناصر أو محمد علي  وهو نوع من الوهم السياسي الهدف منه تبرير الظلم والقهر للمواطن العادي وخلق حالة من الرضي عند المحكومين تجاه حكامهم الطغاة ، ولم لا ترضي عنهم ماداموا يعرفون مصلحة البلد كما يدعون هم ؛ أليس هتلر القائل (إذا أردت السيطرة على الناس أخبرهم أنهم معرضون للخطر وحذرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكك في وطنية معارضيك) ،نفس المنطق الذي يجعلك ترضي بالظلم  من أجل الحماية ، ترضي بالزل مقابل الاستقرار  ، تترحم علي أيام المخلوع قائلا ( مكنا بنتسرق ونتنهب عمرنا مكنا بيحصلنا زي الي بيحصل اليومين دول )   .
 واقف وأسأل نفسي كيف تسنت لهذه العبارة المستبد المستنير  أن تنتشر وتصنع فكرا بل توجها سياسيا لدي العامة حتي بعد ثورة يناير المباركة ، ربما قد يزول استغرابي إذا نظرت  لشيئين أولهما الموروث الأيديولوجي الذي تكون خلال عصور القهر السابقة الذي أعطي قابلية للاقتناع بهذه الأقوال  ( يا بخت من بات مظلوم ولا باتش ظالم )  ، بل وتم استخدام الموروث الديني بمعني مضاد فتجد مثلا خطباء المساجد وشيوخ الفضائيات يتحدثون عن جهاد النفس مستخدمين الآية الكريمة ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)) الرعد:11 ويتركون  حديث (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)  وكأنه لاسبيل للخلاص ولا التقدم سوي بتغيير أنفسنا فنحن دائما المذنبين ونستحق الحاكم الظالم  ، وثانيهما الجهد المتعمد الذي كانت تقوم به الأجهزة الأمنية في النظام السابق والذي يستحق عليه دراسة فلكلورية جادة لما أسهم بتغيير ملموس في مقولات وأمثال وحكم المجتمع فنجد مثلا عام 2005  عبارة ( اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش ) التي انتجت معمليا في حقول تجارب النظام؛ والتي في رأيي أدت دورا جوهريا في إعادة انتخاب مبارك لفترة رئاسية أخري بجانب إقصاء وتشويه المنافسين والتدخل لضبط النتيجة  ،  بل تعدي ذلك نطاق الأدب الشعبي إلي الأدب الرسمي فنجد أفلاما مثل  طباخ الريس  الذي تحول فيه الرئيس الي شخص سازج لا يعرف شيئا عن أحوال البلد ولا بد أن نرتضي بحكمه لأنه طيب  ، أو فيلم آسف علي الإزعاج فالمشكلة لم تكن في النظام وإنما المشكلة أن الشاب مريض نفسي تهيأ له أنه متهض وأن الدولة تعيق نجاحة  ولكن الوضع علي العكس من ذلك فالعيب دائما يرجع إلينا   ناهيك عن أغاني مثل أخترناك  وصورنا يا جمال ، فأقوي سلاح كان يستخدمه نظام مبارك لم يكن الاجهزة الأمنية ولا معتقلات أمن الدولة وإنما هو سلاح الجهل الذي من خلاله يتم ضرب أبناء البلد ببعضهم فهذا عميل للغرب وهذا كافر وما إلي ذلك  من اتهامات لا تنتهي ؛ وقد كان النظام السابق يبزل جهدا خرافيا في التحكم فيما هو منقول ومراقبته وإعادة تدويره من أقوال ونكات  ويتابع الحديث منها أولا بأول بل إن دوره الأكبر كان من خلال نشر الشائعات  والمعلومات المغلوطة التي يتناولها العامة علي المقاهي وفي الطرقات فيصدقها البسطاء دون تردد  .
حين تصبح مثل هذه المقولات خطرا يهدد المسار الديمقراطي المنشود هنالك تصبح معركة الوعي مهمة  فلنتذكر دائما أن عدونا الأكبر هو الجهل خاصة ونحن نري مثل هذه المقولات تنتشر لصالح الجهة الحاكمة الآن وهي المجلس العسكري ( البلد رايحه في داهيه ولازمها حاكم يكون عسكري ؛ الديكتاتور العادل  – اللي بيتظاهروا ضد الجيش بيخدموا مصلحة إسرائيل -  إسرائيل بتخطط لضرب مصر – ثوار التحرير خونه وبياخدوا تمويل خارجي – الثوار مخربين وبيولعوا البلد – المجلس العسكري لو وقع البلد كلها هتروح  في داهيه ) وهؤلاء الناس المرددون لهذه المقولات  لهم التأثير القوي في صناديق الاقتراع فلا تنسي أنهم استغلوا في استفتاء الدستور بحجة الحفاظ علي المادة 2 من الدستور .
لقد التفتنا خلال العام السابق عن العهود التي قطعناها علي أنفسنا بعد خلع مبارك من نشر الوعي وما إلي ذلك ، والتفتنا خلال هذا العام إلي المليونيات والمطالب والاعتصامات والاشتباكات تاركين الساحات العامة لمن يشوهون الثورة والثوار  ويحولوهم لبلطجية وعملاء
وإن كان أدبنا الشعبي وتراثنا يدعم فكرة البطل الواحد المخلص الذي يقف وحده في وجه العدو كفكرة انتظار صلاح الدين ليحرر القدس  ؛ فهذا التراث بهذه الطريقة  يرسخ لفكرة الديكتاتور دون أن نشعر  ، لا بد أن نؤمن أن شخصا واحدا عاديا مهما أوتي من عبقرية لا يمكن أن يقود وحده وبآرائه وتوجيهاته فقط لا يمكن أن يقود البلاد إلي التقدم والرقي  ، لا بد وأن نؤمن بالنظام الديمقراطي الذي تتضافر فيه الجهود وتتسابق فيه العبقريات من أجل رفعة هذا الوطن وتقديم أفضل ما لدينا كل بحسب مجاله وعلمه ولا يمكن لواحد وحده أن يحل محل هؤلاء ، فالدكتاتورية لن تكون حلا  حتي تحت أحلك الظروف ، فلم يكن سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم  كذلك ولا الصحابة ولا أحد من قادة أمتنا العظماء ؛ ونبينا أعظم البشر كان يستشير المسلمين في أمور كثيرة كحفر الخندق  التي أشار عليه بها سلمان الفرسي  وكان يأخذ بآراء الأغلبية  كالخروج من المدينة في معركة أحد .
وأخيرا فنحن نريد الرئيس وليس الزعيم  نريد شخصا له مهارات قيادية يمكن أن يقود البلاد للأمام ولا نريد زعيما نهتف له بحياتنا ونمجده ونكتب اسمه بجوار كلمه مصر ويحدد علاقتنا بالعالم الخارجي على هواه  طبقا لما يحب ويكره  وليس لما يخدم مصالح البلاد  ، أما الديكتاتور العادل أو المستبد المستنير فإن حتي كان له وجود في الحقيقه فنحن لا نريده  .